
كانت ابنة أختي “منى” في الثالثة من عمرها عندما بدأت تقطع الطريق بسرعة دون أن تلقي انتباهًا إلى السيارات المارة. قلق والدها جدًّا من إمكانية تعرضها لحادث خطر، فقرر أن يؤلف لها قصة عن طفلة صغيرة اسمها “منى” أيضًا.
على عكس منى الحقيقية، كانت بطلة القصة تقطع الطريق بتأنٍ، فتقف على طرف الرصيف، تنظر يمينًا ويسارًا وتنتظر أن يأتي والدها ليمسك بيدها قبل العبور. من بعدها، كلّما اندفعت منى لعبور الطريق على عجل، ناداها والدها سائلًا: “ماذا تفعل منى قبل أن تقطع الطريق؟” فإذا بمنى تقف مبتسمةً، تنظر يمينًا ويسارًا وتمدّ يدها لتمسك يد والدها قبل العبور.
هذا بالضبط ما نشير إليه عندما نتحدث عن “سحر القصص المخصصة”. والحقيقة تبقى أنّ القصص المخصصة ليست وليدة يومنا هذا، بل هي ممارسة قديمة جدًا موجودة منذ عقود من الزمن، بل ربما منذ قرون أيضًا. فكثيرًا ما يقوم الأهل والأجداد بتأليف القصص خصيصًا لأبنائهم لإيصال رسالة تربوية محددة أو لتتناسب القصة بكل بساطة مع شخصية الطفل الفريدة. وغالبًا ما يحمل الأطفال هذه القصص في جعبتهم مدى الحياة، تكون في قلوبهم ويتدفؤون بها، ثمّ يحكوها لأطفالهم عندما يأتي الدور عليهم أيضًا.
من خلال هذه القصص، تصبح الروابط العائلية أقوى، واللحظات المشتركة أغلى وتنتقل ذكرى شخص أحببناه في زمن مضى من جيل إلى جيل.
إضافة إلى كونها كبسولة زمنية بامتياز، توفّر الكتب المخصصة بالمقارنة مع الكتب غير المخصصة عددًا من المزايا التي تنعكس إيجابًا على نموّ الطفل الاجتماعي والعاطفي ومكتسبه التعليمي والأكاديمي. سنشارككم في هذا المقال بعضًا من هذه المزايا.
سبع مزايا كفيلة بوضع كتاب مخصص (على الأقل) على رفوف مكتبة طفلك
- تعزز الكتب المخصصة التفاعل بين الطفل وأحداث القصة
تظهر الأبحاث أنّ الأطفال يتفاعلون مع الكتب المخصصة أكثر من الكتب غير المخصصة. ويلتمس الأهل هذا الواقع من خلال التجربة الشخصية إذ يلاحظون أنّ الطفل أكثر اندفاعًا وحماسًا لقراءة القصص المخصصة له. ويبدو هذا الواقع جليًا أكثر عندما يشارك الطفل في عملية تحضير الكتاب وصناعته.
ولكن، لماذا من المهم أن يتفاعل الطفل مع محتوى القصة؟
كلّما زاد تفاعل الطفل مع القصة زاد استمتاعه بعملية القراءة نفسها، وبالتالي أصبح الطفل أكثر استعدادًا لبناء علاقة إيجابية مع الكتاب وارتفع احتمال طلبه قراءة القصة نفسها (أو غيرها من القصص) مجددًا.
من جهة أخرى، كلًما زادت وتيرة تكرار قراءة القصة، زادت فرص التبادل الفكري والحوار البناء بين الطفل المستمع والبالغ القارئ، الأمر الذي يوفر فرصًا تعليمية أكثر ويقوّي العلاقة التي تجمع بين الشخص البالغ (أي القارئ) والطفل.
- تساعد الكتب المخصصة الأطفال في تحليل وفهم مشاعرهم الصعبة
يتعرّض الأطفال منذ عمر صغير إلى العديد من التجارب الشاقة التي من الممكن أن تولد لديهم مشاعر صعبة المعالجة والفهم والتقبل. يندرج ضمن هذه التجارب: موت شخص مقرّب، أو فقدان حيوان أليف، أو سفر، أو غياب صديق عزيز. تساعد القصص بشكل عام الأطفال في معالجة مشاعرهم وفهمها. إلّا أنّ الأبحاث قد برهنت أنّ الأطفال أكثر استعدادًا للتحدث عن تجاربهم ومشاعرهم الشخصية عند قراءة قصة مخصصة لهم. يرى الطفل نفسه في شخصيات القصة التي تشبهه وتشبه أفرادًا من محيطه القريب، الأمر الذي يمنحه شعورًا بالأمان ويشجعه على التحدث براحة أكثر عن مشاكله الخاصة. تعتبر هذه فرصة فريدة للأطفال للتعرف على مشاعرهم عن قرب ومعالجتها بوضوح.
- تزيد الكتب المخصصة من ثقة الطفل بنفسه واحترامه لذاته
كل أم وأب يتمنيان إنشاء طفل قوي وواثق بنفسه، طفل قادر على تحدي الصعاب والدفاع عن نفسه وعن مبادئه ومعتقداته. تُشعر الكتب المخصصة للأطفال أنهم فريدون ومميزون. يتنقل الطفل فرحًا بين صفحات الكتاب ليرى نفسه شجاعًا ومبدعًا وطيّبًا. يشعر الطفل بالتمكين والقوة ويكتشف قدرته على التأثير على محيطه والعالم من حوله. تُنمّي القصص المخصصة إحساس الطفل بقيمته الذاتية مما ينعكس مباشرةً على تحصيله الدراسي.
- توفّر الكتب المخصصة فرصًا للإدماج والتنوع
يستطيع الطفل من خلال الانغماس في سياق القصة وإطارها المكاني والزمني اكتشاف بيئات جديدة والتعرف على شخصيات من خلفيات عدّة. من ناحية أخرى، وعلى الرغم من التقدّم الملحوظ الذي سجلته القصة العربية خلال السنوات الأخيرة، إلا أنّ المجتمع المسلم والثقافة الإسلامية مازالا لا يحظيان بالتمثيل الكافي في عالم قصص الأطفال. توفر الكتب المخصصة فرصة لموازنة هذا الواقع.
- تعلّم الكتب المخصصة القيم والأخلاق الحسنة
برهنت الأبحاث أنّ الطفل الذي يقرأ القصص المخصصة أكثر قدرة على فهم وسرد عبرة القصة من الطفل الذي يقرأ قصة غير مخصصة. ويرجح الباحثون أنّ هذا الأمر يعود إلى التآلف العميق بين الطفل والشخصيات في القصة المخصصة، الأمر الذي يسمح له بصب اهتمامه وتركيزه على عناصر القصة الأخرى وفهمها بشكل أعمق وأشمل.
- تحسن الكتب المخصصة النتائج الدراسية لدى الأطفال
بحسب العديد من الدراسات، تؤثر القصص المخصصة بشكل مباشر على السلوك والاكتساب اللغوي لدى الأطفال، كما تؤثر على قدرتهم على التركيز والاكتساب والتعلّم. يمكنك قراءة المزيد حول كيفية تأثير الكتب المخصصة على نتائج الأطفال الدراسية هنا (رابط المقالة 2).
- تشكّل الكتب المخصصة هديّة مميّزة وفريدة
عندما يفتح طفلك هديته لاكتشاف اسمه على الغلاف الأول للكتاب، لن تغيب عنك ضحكته والحماس البادي في عينيه. وسيزداد هذا الحماس عندما يكتشف بطل القصة الذي لا يحمل اسمه فحسب، بل يشبهه إلى حدّ مدهش أيضًا.
الكتب المخصصة، تمامًا كالقصص التي ذكرناها في بداية المقال، تحمل قيمة عاطفية كبيرة. تظهر هذه الكتب للأطفال إلى أي مدى هم محبوبون ومحترمون ومقدرون. تخلق هذه الكتب فرصًا للترابط بين البالغ والطفل وتسمح لهم أن يعيشوا لحظات فريدة سترافقهم إلى الأبد.